بعد انتشار جائحة كورونا، لفت العمل المستقل الأنظار أكثر من أي وقتٍ مضى، بل أصبح -في نظر الكثيرين- مهنة الأحلام التي يتمنون لو يستمرون في مزاولتها إلى الأبد.
لكن في الواقع، العمل المستقل ليس (فنجان شاي) يستمتع به الجميع، وليس بأكثر راحة من العمل التقليدي. العمل كمستقل يعني أنك مدير نفسك، إنما لا يأتي ذلك دون ثمن. حيث يستغرق الأمر وقتًا لبناء قاعدة ثابتة من العملاء. يواجه المستقلون حالات "مدّ وجزر" في عملهم ويحتاجون إلى خطة للأوقات العجاف. تمثل إدارة العديد من العملاء والمشاريع بتكلفة منخفضة تحديًا كبيرًا لمجتمع العمل المستقل.
وهذه ليست التحديات الوحيدة التي يواجهها المستقلون!
1. مواجهة جميع المشاكل منفردًا
لا شكّ أننا جميعًا مختلفون، وبالتالي فنحن نتفاعل مع المواقف الجديدة بشكل مختلف استنادًا إلى خلفياتنا وخبراتنا وقدرتنا على تبني التغيير، وهذا ينطبق على الانتقال من موظف بدوام كامل إلى عامل مستقل.
أحيانًا، يشعر المستقلون كما لو أن أحدهم ألقى بهم في بحرٍ عميق بدون تعليمهم السباحة، ولا كيف يخرجون من هذا البحر.
السعي خلف أن تكون مستقلاً هو أمرٌ جذابٌ للغاية. كلنا نريد السيطرة على مصائرنا من خلال تحديد مواعيد العمل وآليته. ستكون الحياة بمثابة جنة إذا لم يكن هناك سباق مع الزمن لإنجاز المهام، أو رئيس عمل يتنفس على كتفك، ولا توجد نميمة وأحقاد بين الزملاء.. بل مجرد حرية العمل كيف ومتى تريد.
ولكن هل العمل المستقل بهذه البساطة والسهولة؟ من الواضح أن الإجابة هي: لا!
تمتلئ حياة المستقل بالعديد من التقلبات والإيجابيات والسلبيات. لذا، من الضروري أن يستعد المستقلون وأن يكون لديهم خريطة طريق في أيديهم إذا كانوا يريدون الوصول إلى وجهتهم التي خططوا لها.
لذلك ، إليك قائمة ببعض التحديات الأكثر شيوعًا التي يواجهها المستقلون. الق نظرة سريعة على كل منها قبل أن تترك وظيفتك المعتادة "المملة"، وتذكر أنك ستواجهها وحدك!
2. العمل الذي لا ينتهي!
قبل جائحة كورونا، كان العديد من أصحاب الشركات يرفضون السماح لموظفيهم بالعمل عن بعد بحجّة أنهم سيتقاعسون دون وجود مشرفين يقطعون تركيزهم بعبارة: هل يسير العمل على ما يُرام!
في الواقع، ما يحدث هو العكس: فالمستقلين هم أكثر عرضة للإفراط في العمل. عندما تكون حياتك الشخصية وعملك تحت سقف واحد، يكون من الصعب التوقف.
يقول المؤلف والمدرب جيف جوتلف (Jeff Gothelf):
"متى يبدأ يوم العمل، ومتى ينتهي؟ لا أحد يعلم، فوضع حدود في حياة العمل من المنزل أصعب مما يمكن تخيله!"
يعترف العديد من المستقلين بأنهم يجدون صعوبة في تذكر أخذ فترات راحة، أو العمل لفترة معقولة، وحتى معرفة متى يكون الوقت المناسب للتوقف عن العمل. بصفتي شخصًا يعمل من المنزل منذ أكثر من 3 سنوات، ما زلت أشعر كثيرًا بأنني منجذب للعودة إلى حاسوبي المحمول بعد انتهاء اليوم للتحقق من البريد الإلكتروني للمرة الأخيرة أو إنهاء مهمة بسيطة، ليستغرق الأمر منيّ الليل بطوله.
يقول كونرادو لاماس (Conrado Lamas)، رئيس التسويق في Signaturit:
"العمل أمرٌ أبديّ. دائمًا ما سيكون هناك مشكلة عليك حلّها، وحين تمتلك روتينًا مكتبيًا، من السهل ترك كل شيء خلفك في مكان العمل. لكن عندما تعمل من المنزل، يكون مكتبك داخل المكان الذي تعيش فيه. لذلك تجدني باستمرار أنهي المهام الصغيرة المعلقة في وقت متأخر من الليل قبل أن أخلد إلى النوم أو في الصباح الباكر، في حين كنت أريد قراءة الأخبار".
كيف تتجنب الإفراط في العمل
قد تحتاج إلى "خداع" نفسك لأخذ فترات راحة وتحديد أوقات البدء والانتهاء بشكل واضح. خلاف ذلك، فإنك تخاطر بحالتك النفسية والجسدية. إليك بعض الحيل التي يمكنها أن تساعدك:
- اربط موعدًا في جدول أعمالك في نهاية اليوم لإخراج نفسك من مكتبك في المنزل. ربما يكون موعد ذهابك إلى صالة الألعاب الرياضية أو التسوق في البقالة أو موعدًا لقراءة الفصل التالي من الكتاب الذي تقرؤه حاليًا.
وبالمثل، قم بإعداد تذكيرات لأخذ فترات راحة. يتيح تطبيق (التذكيرات) في معظم الهواتف الذكية تحديد موعد ثابت وضبطه بحيث يتمّ تكراره يوميًا. - كن واضحًا مع فريقك بشأن وقت مغادرتك -على سبيل المثال، من خلال وضع إعلان بسيط في Slack- ثم اغلق حاسوبك على الفور. (لدي عادة سيئة تتمثل في قول "وداعًا" لأبقى بعدها لمدة ساعة أخرى!).
- افصل بينك وبين مساحة العمل. أفضل شيء هو إذا كان لديك مساحة مكتب مخصصة بحيث يمكنك إغلاق باب المكتب (أو حتى قفله). أما إذا لم يكن لديك مكتب مخصص، فحتى شيء بسيط -مثل وضع الكمبيوتر المحمول بعيدًا عن الأنظار عند انتهاء العمل- يمكن أن يساعدك على مقاومة إغراء تسجيل الدخول مرة أخرى.
- اوقف الإشعارات على هاتفك وجهاز الكمبيوتر حتى لا يتم إرجاعك إلى العمل بسبب "رسالة عاجلة".
3. مشكلة في ترتيب الأولويات
يحتاج المستقلون إلى أن يكونوا خبراء في إدارة الوقت بأنفسهم لأنه لا يوجد من يطلع على عملهم أو يضع جدولهم الزمني. في حين أن كل موظف قد يجد صعوبة في الالتزام بجدول زمني وإدارة مهامه، إلا أنه يمثل تحديًا خاصًا للعاملين عن بُعد نظرًا لامتلاكهم مرونة أكبر.
إن إدارة عملك الخاص أمر صعب بما فيه الكفاية. ثم هناك الإغراء المستمر لمشاهدة حلقة واحدة من برنامجك المفضل أثناء الاستراحة، أو ترتيب المطبخ كنوع من المماطلة، وإذ بالمساء يحلّ فجأة، وأنت لم تُنجز شيئًا بعد!
كيف تتأكد من إنجازك مهامك
- التهم هذا الضفدع. يشرح مستشار الأعمال والمدرب بريان تريسي(Brian Tracy) هذا المبدأ في كتابه (ابدأ بالأهم ولو كان صعباً: التهم الضفدع) "قال مارك توين ذات مرة أنه إذا كان أول شيء تفعله كل صباح هو أكل ضفدع حي، يمكنك قضاء اليوم بارتياح بمعرفة أن ذلك ربما يكون أسوأ ما قد يحدث لك طوال اليوم."
ويُقصد بالضفدع هنا: أكبر وأهم مهمة لديك، وهي المهمة التي من المرجح أن تسوّفها إذا لم تفعل شيئًا حيال ذلك. لذا ليكن أكل ذاك الضفدع/إنجاز تلك المهمة أول شيء تفعله عندما تبدأ العمل. - حدد عدد المهام التي تخطط للقيام بها كل يوم. استخدم مصفوفة أيزنهاور لتجنب المهام -غير الضرورية- والتي تهدر وقتك ومعرفة المهام الواجب إتمامها. أو خطط لإنجاز مهمة كبيرة واحدة بحسب، و 3 أشياء متوسطة، و 5 أشياء صغيرة في اليوم [قاعدة 1-3-5].
- ثبّت إحدى أدوات الحد من الإلهاء. أدوات مثل (Cold Turkey Blocker - Focus@Will - Freedom) ستساعدك بشكلٍ كبير على التركيز في العمل.
- احرص على إدارة طاقتك لا وقتك. كما يشرح غريغوري سيوتي (Gregory Ciotti) في تدوينته:
"أنت تتحسن من خلال تكثيف ممارستك، وليس الضغط على نفسك أثناء انخفاض طاقتك"
تتعاظم طاقتك وتتضاءل خلال النهار، لذا قم بإنجاز المهام وفقًا لمقدار الطاقة الذي ستستهلكه ومقدار القدرة على التركيز في أوقات مختلفة خلال اليوم.
المقاطَعات من العائلة والجيران وحتى عامل التوصيل!
الخبر الجيد هو أنك عندما تعمل من المنزل، فإنك تتجنب جلوس الزملاء على طاولة مكتبك و(إنه عيد ميلاد الأستاذ فهمي! لنتناول كعكة في غرفة الاستراحة!). الخبر السيء هو أنك ستضطر للتعامل مع أنواع أخرى من الانقطاعات والتشتتات، سواء كان عامل توصيل الطرود الذي يحتاج إلى توقيعك أو زيارة عائلية دون سابق إنذار. يزداد الأمر صعوبة إذا كان لديك أطفال صغار جدًا، لا يفهمون أنه يمكنهم رؤيتك ولكنك غير متاح للعب. تكرار قول "لا، ليس لدي وقت الآن" أمر مؤلم على قلب أي أب/أم. والعثور على مكان جيد لإجراء مكالمات جماعية بحيث لا تقاطعك العائلة ولا توقظ طفلًا من قيلولته يمكن أن يمثل مشكلة أيضًا.
كيفية التعامل مع المقاطعات في المنزل
لا توجد طريقة لتجنب المقاطعات من أسرتك وموظفو التوصيل والجيران. بل أحيانًا يجب أن يقاطعوك (مثلًا، في حال أُصيب طفلك بوعكة صحية لا سمح الله)، على الرغم من ذلك، لا بدّ أن تكون واضحًا حول أنواع المقاطعات التي لا بأس بها وتلك التي يمكن أن تنتظر. بالإضافة إلى:
- قم بوضع علامة تتيح للآخرين معرفة متى تكون في وضع التركيز. ربما تكون لافتة (الرجاء عدم الإزعاج) على باب غرفة المكتب أو عند ارتداء سماعات الرأس. (أو ربما عليك أن تقفل الباب بالفعل وتتظاهر بأنك لست في المنزل).
- اشرح لهم لماذا من المهم بالنسبة لك أن تتجنب المقاطعات (كقولك بأنها تكسر تركيزك وتجعل عملك أصعب X10 مرات).
- بالنسبة للأطفال الصغار، يعد الاعتماد على شخص ما لرعاية الأطفال أمرًا ضروريًا، إلا إذا كنت تخطط للعمل فقط عندما يكونون نائمين.
- علّم أطفالك كيف يقضون جزءًا من احتياجاتهم بأنفسهم. من المحبط أن تتم مقاطعتك لأنك الشخص الوحيد الذي يعرف مكان الشريط اللاصق!
- اهرب. إذا لم تنفع أيٌ من الطرق السابقة، فحاول العمل في مساحات العمل المشتركة "Coworking space" أو المكتبة أو المقهى.
عثرات التكنولوجيا
لا شيء يجعل المستقل يرتعد من الخوف والتوتر مثل انقطاع الإنترنت. أو تعطّل جهاز الكمبيوتر.
تقول المحامية إليزابيث بوتس وينشتاين (Elizabeth Potts Weinstein) أنها وزوجها عملا مستقلين لسنوات و كان التحدي الأكبر الذي واجههما هو القدرة على إيجاد اتصال إنترنت مستقر وسريع. ورغم أنهما يُجريان بعض البحث (حول استقرار خدمة الانترنيت حيث سيعملان)، ولكن هذا لا يعني أن السرعة والاستقرار مضمونان، خاصة في الدول النامية.
يمكن أن تكون العديد من نقاط اتصال الواي فاي العامة متقطعة أيضًا. وحتى مع وجود اتصال إنترنت لائق، فلا يمكن دائمًا الاعتماد على تطبيقات الاجتماعات الافتراضية (عبر الفيديو)، وقد تتحول الاجتماعات الافتراضية آنذاك إلى اختبار في الصبر!
الحل
لتتجنب التأخير في عملك.. ضع خطة احتياطية. يمكن أن ينقذك جهاز نقطة اتصال متنقلة مثل MiFi عندما ينقطع الاتصال بالإنترنت. ويمكن لحاسوب احتياطي -أو ربما حتى جهاز لوحي- أن يهوّن عليك بقية اليوم ريثما تتمكن من إصلاح حاسوبك.
العادات الصحية السيئة
تميل الوظائف التي تعتمد نظم العمل المعرفي لأن تكون وظائف مستقرة بغض النظر عن مكان مكتبك. ومع ذلك، عندما تكون في المنزل، فمن السهل تكوين العادات السيئة.
إما لوجود الثلاجة التي لا تبعد أكثر من بضعة خطوات! أو قد يكون لديك مشكلة معاكسة مثلي: في غياب استراحة الغداء، كثيرًا ما أنسى أن أتناول الطعام.
وحتى حين تزمع القيام ببعض التمارين الرياضية فقد تنسى مواعيدها إن أفرطت في العمل، وقد تنسى الخروج بما فيه الكفاية.
لا يوجد حل سحري لهذه المشكلة أيضًا. عليك فقط أن تكون أكثر وعيًا عند العمل من المنزل حول عاداتك الصحية. يمكنك تعيين تذكيرات لنفسك في التقويم أو تطبيق المهام لتأكل سلطة أو القيام ببعض اليوغا.
على الرغم من التحديات المذكورة أعلاه، فإن العمل عن بُعد مجزٍ للغاية -طالما أنك تعلم ما الذي أنت مُقبل عليه ويمكنك التعامل مع هذه المشكلات الشائعة. إذا واصلت المثابرة، فستستمتع بالمرونة والاستقلالية وفرصة العمل في المكان الذي يناسبك وبإنتاجية أعلى، وربما أيضًا تحظى بالمزيد من الوقت لحياتك الشخصية.
===
المصدر: biggest remote work challenges ,and how to overcome them
التعليقات